43
رسالة موسى الأخيرة

سفر التثنية

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

على مدى الإثنتين والأربعين حلقة السابقة، كنا ندرس في أول الكتب المقدسة، ألا وهو كتاب ‘‘التوراة’’. وكما تعلمون، أن الله هو الذي وضع كلماته في ذهن النبي موسى، موحياً إليه أن يكتبها في كتاب. وبالرغم من أنه قد مر نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة منذ أن كتب موسى التوراة، إلا أنها لا تزال ذات قيمة لا تُقدَّر، بالنسبة لنا اليوم. والتوراة هي الأساس الذي وضعه الله ذاته، كيما نتمكن من امتحان كل ما نسمعه، ونميز إن كان قد أتى من الله أم لا. والتعليم المُتضمَّن في التوراة هو الحق النقي الخالص الذي من الله. وكل تعليم يناقضه هو تعليم مزيف مضل! وكل حق الله يسير في تناغم كامل مع ما كُتِبَ في التوراة. هناك شيء واحد لا يستطيع الله الجبار أن يفعله. هل تعلم ما هو؟ نعم، إن الله لا يستطيع أن يناقض نفسه! لقد سجل موسى هذه الكلمات في التوراة، قائلاً: ‘‘ليس الله إنساناً فيكذب. ولا ابن آنسانٍ فيندم. هل يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟’’ (عد 19:23)

لقد كشف الله لنا أسراراً كثيرة وعميقة من خلال دراستنا في توراة موسى. واليوم، نود أن نختم رحلتنا في التوراة المقدسة. ولكن، قبل أن ندرس الأصحاحات الأخيرة منها، دعونا نراجع معاً ما قد تعلمناه منذ البداية وحتىاليوم.

رأينا في الأصحاح الأول من التوراة، كيف خلق الله أول رجل على صورة الله ذاته. لقد اراد الله أن يكون له علاقة رائعة وذات معنى مع الإنسان الذي خلقه. ولهذا، وضع الله في الإنسان عقلاً (أو روحاً) كيما يعرف الله. وأعطاه قلباً، كيما يحب الله. وعهد إليه بإرادة حرة، كيما يمكنه أن يختار لنفسه إما أن يطيع الله أو يعصاه.

وفي الأصحاح الثالث من التوراة، رأينا كيف اختار الرجل الأول، آدم، أن يطيع الشيطان، ويأكل من الشجرة التي حرمها الله. وهكذا، يقول الكتاب: ‘‘كأنما بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع.’’ ( رو 12:5) إن أجرة الخطية هي الموت والانفصال الكامل عن الله.

ثم تعلمنا بعد ذلك، كيف دعا الله إبراهيم ووعده أن يجعل منه أمةً عظيمةً، يأتي منها الانبياء ثم المخلص. وهكذا، انجب إبراهيم إسحق؛ وإسحق أنجب يعقوب؛ ويعقوب أنجب إثنى عشر ابناً. وفيما بعد، غيَّر الله اسم يعقوب إلى ‘‘إسرائيل’’. وكوَّن أبناء إسرائيل الاثنى عشر الأمة الجديدة التي وعد بها الله إبراهيم. وباع الإخوة العشر الكبار اخوهم الأصغر يوسف كعبد، وأُخِذ إلى أرض مصر. إلا أن ‘‘ما يزرعه الإنسان فإياهُ يحصُدُ أيضاً.’’ (غل 7:6) وبالتالي، رأينا كيف صار كل بني إسرائيل عبيداً في أرض مصر. وبالرغم من ذلك، لم ينسَ الله وعده لإبراهيم ونسله. فقد تعلمنا في سفر الخروج، كيف تمم الله وعده لإبراهيم بدعوة موسى ليحرر بني إسرائيل من قيود العبودية.

وعند دراستنا لقصة موسى، قرأنا الوصف الرائع والمدهش للكيفية التي حرر بها الله جموع شعب إسرائيل من ظلم فرعون مصر وشعبها. وقرأنا أيضاً كيف حمى الله بني إسرائيل في البرية، وجاء بهم إلى حدود أرض كنعان، الأرض التي وعد الله بها جدهم إبراهيم قبل ذلك بزمن بعيد. إلا أن معظم شعب إسرائيل كان خائفاً من عمالقة أرض كنعان، ولم يثقوا في الله أن يفعل لهم ما كان قد وعدهم به. ولهذا السبب، لم يدخلوا عندئذٍ أرض كنعان الغنية.

وبسبب عدم إيمانهم، جال بنو إسرائيل في البرية لمدة أربعين عاماً، حتى فنى كل هؤلاء الذين لم يؤمنوا بما وعد به الله من نحو أرض كنعان. كان هذا هوالعقاب الذي جلبه الله عليهم بسبب عدم إيمانهم. حقاً، إن ‘‘إلهنا هو .. إله أمانةٍ، لا جور فيه، صدِّيقٌ وعادلٌ هو.’’ (تث 4:32)

والآن، دعونا نكمل رحلتنا عبر التوراة. تذكَّروا أن بني إسرائيل كانوا في البرية، لأن الله كان يطهِّرهم من عدم الإيمان. ومات كل من رفض أن يؤمن بما وعد الله به، من ابن عشرين سنة أو أكثر. لم يبقَ واحدُ منهم حيّ. والآن، كان بنوهم على حدود أرض كنعان. فبعد أربعين سنة طويلة من التجوال في البرية، صار بنو إسرائيل في غاية القلق من جهة الاستقرار في الأرض التي فشل آباؤهم في دخولها.

ودراستنا اليوم، هي من الجزء الخامس من التوراة، الذي هو ‘‘سفر التثنية’’. وفي هذا الجزء الأخير، يراجع موسى ناموس الله المقدس، ويعلِّمه لأسباط بني إسرائيل. ويحتوي هذا السفر العميق على الرسالة النهائية التي وعظ بها موسى الشعب، ليُعدَّهم للدخول إلى الأرض التي وعدهم بها الله. ولا يسعنا الوقت اليوم لقراءة وعظة موسى بأكملها، ولكن يمكننا ان نلخصها في بضع كلمات، ألا وهي: ‘‘لا تنسوا’’.

وباختصار، قال موسى شيئاً مثل هذا لبني إسرائيل:
‘‘احرصوا ألا تنسوا أنكم كنتم عبيداً في أرض مصر.
.. لا تنسوا كل ما فعله الرب من أجلكم في الطريق من مصر إلى الارض التي أنتم على وشك أن تدخلوها.
.. لا تنسوا الخطايا التي اقترفتموها ضد الرب إلهكم.
.. لا تنسوا كيف أدان الرب آباءكم على عدم إيمانهم، الدينونة التي بسببها كانت كل هذه الجثث في البرية.
.. لا تنسوا أن الرب كان صالحاً مع آبائكم، ولكنهم كانوا غلظ الرقبة ورفضوا أن يؤمنوا به.
.. لا تنسوا ذلك!’’

اليوم، وانتم تسمعون صوت الله، لا تقسُّوا قلوبكم كما فعل آبائكم في البرية. فهل ستكونون مثل اجدادكم اللذين رفضوا أن يؤمنوا بكلمة الله؟ أم ستصدقون الرب إلهكم؟ فإن رفضتم أن تصدقوا كلمة الله كما فعل أجدادكم، فإن الله سيعاقبكم كما عاقبهم.
.. لا تنسوا ذلك!

إن الرب الإله سيدخلكم الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً، الأرض التي حلف بها لآبائكم. لا تنسوا الرب إلهكم الذي أعطاكم الأرض، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
.. لا تنسوا ذلك!

وبعد أن فرغ موسى من وعظته، قال الرب له:
‘‘اصعد إلى جبل عباريم .. الذي قُبالة أريحا، وانظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ملكاً. ومُتْ في الجبل الذي تصعد إليه .. لأنكما خنتماني في وسط بني إسرائيل. فإنك تنظر الأرض من قبالتها، ولكنك لا تدخل إلى هناك، إلى الأرض التي أنا أعطيها لبني إسرائيل.’’(تث 49:32-52)
‘‘وصعد موسى من عربات موآب .. فأراه الرب جميع الأرض .. وجميع أرض يهوذا إلى البحر الغربي .. وقال له الرب: هذه الأرض، التي أقسمت لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً لنسلك أعطيها، قد أريتك إياها بعينيك، ولكنك إلى هناك لاتعبر. فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب، حسب قول الرب. ودفنه في في الجواء في أرض موآب .. ولم يعرف إنسانٌ قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مئةٍ وعشرين سنةً حين مات، ولم تكل عينُهُ ولا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلثين يوماً. فكملت أيام بكاء مناحةِ موسى. ويشوع بن نون (الذي جاء مكان موسى كقائدٍ لإسرائيل) قد امتلأ روح حكمةٍ، إذ وضع موسى عليه يديه، فسمع له بنو إسرائيل، وعملوا كما أوصى الرب موسى.’’ (تث 1:34-8)
‘‘ولم يقم بعد نبيٌ في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجهٍ، في جميع الآيات والعجائب التي أرسله الرب ليعملها في أرض مصر بفرعون وبجميع عبيده وكل أرضه، وفي كل اليد الشديدة وكل المخاوف العظيمة التي صنعها موسى أمام أعين جميع إسرائيل.’’ .. آمين (تث 10:34-12)

وهكذا، أصدقائي المستمعين .. تنتهي التوراة.
وكل ما كُتِبَ في التوراة سُجِل، كيما نحصل على المعرفة التي تقودنا إلى الإيمان بطريق الله للخلاص. حقاً، كان موسى نبياً. لقد عرف الرب الإله وجهاً لوجه. وصنع عجائب من الله. وبيد موسى، خلَّص الرب شعب إسرائيل من ظلم فرعون. وبيده أيضاً، أعطانا الله التوراة، الذي هو أول كتاب في الكتب المقدسة. ينبغي أن يعرف كل إنسان ما كتبه النبي موسى. وكل من لا يعرف توراة موسى يكون مخطئاً في الكثير، ويكون في خطر عظيم من الهلاك في طريق الإثم. تذكَّروا، أن التوراة هي الأساس الذي وضعه الله بنفسه. الأساس الذي بنى الله عليه بقية كتابه المقدس، من خلال جميع الأنبياء الآخرين.

حقاً، إن النبي موسى قد كتب كلمات عجيبة وعميقة ورائعة. إلا أن في كل ما فعله موسى وكتبه، لم يكن هناك ما هو أهم مما أعلنه في الجزء الخامس من التوراة، في الاصحاح الثامن عشر. في هذا الأصحاح، أخبر موسى شعب إسرائيل كيف خطط الله أن يقيم نبياً آخر أعظم من موسى، يتكلم مباشرة بالنيابة عن الله. اسمعوا لما قاله موسى لبني إسرائيل. يقول الكتاب:
‘‘يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك مثلي. له تسمعون. حسب كل ما طلبت من الرب إلهك في حوريب يوم الاجتماع قائلاً: لا أعود أسمع صوت الرب إلهي، ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلا أموت. قال ليَ الربُّ قد أحسنوا في ما تكَّلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أُطالبه.’’ (تث 15:18-19)

وبهذا الإعلان الصادر من فم موسى، كان الله معلناً مجيء نبيٍّ آخر يخرج من الأمة اليهودية (ع 15، 18)، رجلٌ يتكلم كلمة الله بكل ملئها ونقائها (ع 18، 19)، نبيٌ يكون وسيطاً بين الله والإنسان (ع 16،17).
.. هل تعرف من كان هذا النبي؟
.. هل تعلم من هو النبي الذي تكلم بسلطان أكبر من سلطان موسى؟
.. هل تعلم من هو النبي الذي صنع عجائب أقوى من عجائب موسى؟
نعم، إن النبي الذي تكلم عنه موسى هو ‘‘الفادي البار’’، الذي وُلِد من عذراء يهودية. وبخصوصه أعطى موسى تحذيراً مبكراً لأمة إسرائيل قائلاً: ‘‘له تسمعون .. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أُطالبه.’’

أصدقائي المستمعين ..
وهنا تنتهي دراستنا للتوراة. كيف يمكننا أن ننهي رحلتنا عبر هذا الكتاب الواسع والرائع؟ دعونا ننهي بما أعلنه موسى نفسه لبني إسرائيل في اليوم الذي مات فيه. قال موسى في الأصحاح الثاني والثلاثين:
‘‘انصتي أيها السماوات فأتكلم، ولتسمع الأرض أقوال فمي .. إني باسم الرب أُنادي. أعطوا عظمةً لإلهنا. هو الصخر الكامل صنيعه. إن جميع سبله عدلٌ. إله أمانةٍ لا جور فيه، صدّيقٌ وعادلٌ هو.’’ (تث 1:32 ،3 ،4)

وبكلمات الله هذه على فم موسى، نودعكم اليوم.
نشكركم على كريم إصغائكم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سنبدأ الكتاب المقدس الذي يأتي بعد التوراة والمرتبط بها، ونرى كيف احضر الله بني إسرائيل إلى الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً، تماماً كما كان قد وعدهم من قبل.

فليبارككم الله المستحق كل مجد وعظمة إلى الأبد. ذلك الذي وصفه موسى وصفاً كاملاً عندما قال:
‘‘إلهنا .. هو .. إله أمانةٍ، لا جور فيه، صدِّيقٌ وعادلٌ هو.’’ .. آمين.
ــــــــــــ

 

 الدرس الرابع والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية