94
مراجعة ـ الجزء الثاني:
إبراهيم: مُبَرَّرٌ بالإيمان

 

تكوين 6-22

أصدقائي المستمعين ..
نحيِّيكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

نستمر اليوم في مراجعة رسالة أنبياء الله. ورسالة الأنبياء هي قصة .. قصة الله العجيبة التي تدور حول ما صنعه الله؛ لكي يطلب ويخلِّص نسل آدم الذين هلكوا في الخطية.
باختصار .. رسالة أنبياء الله هي الخبر السار الذي يعرِّفنا كيف يتبرَّر غير الأبرار أمام الله. وعنوان درسنا اليوم هو .. ‘‘مبرَّرٌ بالإيمان!’’

والقصة التي يحتويها كتاب الله هي، مثل كل القصص، لها بداية ونهاية. وفي حلقتنا السابقة، راجعنا معاً بداية القصة، ورأينا كيف اختار الإنسان الأول، آدم، أن يتبع الشيطان، عدو الله. وتسبَّبت خطية آدم الواحدة، أن يُولَد كل نسله في الخطية، وأن يكونوا في طريقهم إلى جهنم.
ولكن البعض يحاول إنكار هذا، قائلين: ‘‘إن خطية آدم هي مشكلته الخاصة! وبالتالي ليس لها أيُّ تأثيرٍ علينا!’’ ولكن هؤلاء الذين يقولون هذا، يتجاهلون كتب الأنبياء التي تعلن أنه:
‘‘بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع.’’ (رومية 12:5)

يقول المثل: ‘‘إن الوبأ لا ينحصر في مصدره!’’ وعلى نفس المنوال، لم تقف لعنة آدم عنده وحده؛ ولكنها امتدت لنا جميعاً، كمرضٍ معدٍ. فخطية آدم هي السبب في أن كل البشر وُلِدوا بطبيعةٍ تميل للخطية. إذ يقول المثل: ‘‘الفأر لا يلد إلا ما يحفر!’’ وبالمثل، ورثنا جميعاً طبيعة جدِّنا آدم. ومن المؤكد تماماً أن الطبيعة الخاطئة التي فينا سوف تديننا للأبد، إلا إذا قدَّم الله علاجاً لنا.
والخبر السار هو: أن الرب الإله قد قدَّم العلاج ..! فعندما نقرأ في التوراة، نجد أن الله في رحمته، أعطى وعداً في نفس اليوم الذي أخطا فيه آدم وحواء. إذ وعد بأن يرسل إلى الأرض فادياً باراً، مولوداً من عذراء. وهذا الفادي سيسفك دمه كذبيحة تدفع دين خطايا نسل آدم.

وفي دراستنا في كتاب الإنجيل، رأينا أنه عندما حان الوقت الذي حدَّده الله في علمه، أرسل الله الفادي المخلِّص الذي وعد به. ومن هو هذا المخلِّص الذي وعد به الله؟ إنه الإنسان كامل البر، يسوع المسيح. اسمعوا معي كيف توضِّح لنا كلمة الله الفرق بين آدم الذي أخطأ، والمسيح الذي لم يخطئ. يقول الكتاب:
‘‘لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد؛ فبالأولى كثيراً، الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر، سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح. فإذاً كما بخطيةٍ واحدةٍ صار حكم الدينونة على جميع الناس؛ هكذا ببرٍ واحدٍ صارت أيضاً هبة التبرير المؤدي للحياة، لجميع الناس. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خطاةً؛ هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعَل الكثيرون أبراراً.’’ (رومية 17:5-19)

هذا هو ما يقوله الكتاب بشأن أولئك الذين ‘‘في آدم’’، وأولئك الذين ‘‘في يسوع المسيح’’.
إن كلَّنا مولودون على شبه آدم. ولكن الله يدعو أولاد آدم أن يُولَدوا ثانيةً في قلوبهم، ليخلعوا عنهم صورة آدم، ويلبسوا صورة المسيح! ولكن كيف يمكن هذا؟ لا يمكن أن يحدث هذا إلا بالإيمان! إذ يقول الكتاب، إن آمنت بقلبك أن الرب يسوع المسيح قد دفع ثمن خطاياك، سيجعلك الله تُولَد ثانيةً؛ وذلك بأن يطهِّر قلبك، ويجدِّدك بقوة روحه القدوس. وهكذا تصبح خليقةً جديدةً في المسيح؛ فلا تعود تحيا لنفسك فيما بعد، بل تحيا لمن مات وقام من أجلك.

دعونا الآن نرجع إلى التوراة، ونستمر في مراجعتنا، إذ نتذكَّر كيف سار الله في خطته، ليرسل الفادي إلى العالم. رأينا في دروسنا المرتَّبة تاريخيَّاً، أول ابنين لآدم، قايين وهابيل. وكيف آمن هابيل بما وعد به الله من جهة الفادي، الذي سيأتي ليسفك دمه كذبيحة؛ وأما قايين، فلم يؤمن. ودعا الله قايين، ليأتي ويقدِّم حساباً أمام الله؛ كي يتوب. ولكن كل ما فعله قايين هو أنه غضب وقتل أخاه الأصغر هابيل.

ورأينا بعد ذلك، أن معظم نسل آدم اتَّبعوا خطوات قايين، متمتِّعين بالخطية. ولهذا، عندما نأتي إلى زمن نوح، نجد الكتاب يقول: ‘‘ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصوُّر قلبه إنما هو شريرٌ كل يوم.’’ (تكوين 5:6) ورأينا كيف قصد الله أن يقضي على نسل آدم بالطوفان. وفي ذلك الزمن الفاسد المعوج، كان نوح هو الشخص الوحيد الذي صدَّق وعد الله من جهة مجيئ الفادي.
ومن ثمَّ، أمر الرب نوح أن يبني فلكاً عظيماً، يكون ملجأً لعائلة نوح ولحيوانات كثيرة. واحتمل الله الخطاة بصبرٍ وطولِ أناةٍ لمدة مئة عام، كان نوح أثناءها يبني الفلك. ومع ذلك، لم يتبْ أحد، ولا صدَّق أحد كلمة الله، فيما عدا نوح وأهل بيته. وفي النهاية، نفَّذ الله في أمانته، كل ما وعد به، ومحى من على وجه الأرض كل الذين رفضوا الدخول في فلك النجاة، الذي دبَّره الله من أجلهم.

ورأينا بعد ذلك، أن نسل نوح ابتدأوا تدريجياً ينسون كلمة الله؛ لأنهم هم أيضاً كانوا جزءاً من نسل آدم، وخطاة بالطبيعة. ثم قرأنا عندئذٍ، عن برج بابل، وكيف حاول الناس أن يجمعوا شعوب الأرض إلى مكان واحد، ويبنوا مدينةً عظيمةً وبرجاً عالياً، تمرُّداً على الله. غير أن الله أدانهم ببلبلة ألسنتهم، وتفريقهم على وجه كل الأرض.
وبعد ذلك، أتينا إلى قصة النبي إبراهيم العجيبة. حقاً، لقد كان لإبراهيم مكاناً هاماً جداً في خطة الله لتخليص نسل آدم من سلطان الخطية. وكان أبو إبراهيم عابدَ أوثان، وكان إبراهيم نفسه خاطئاً مثل كل نسل آدم. ومع ذلك، رأينا الله، في تخطيطه العجيب، يَظهر لإبراهيم ويأمره أن يخرج من بيت أبيه، ويترك أرضه. لقد كان الله يخطط أن يجعل من إبراهيم أمةً جديدة، يأتي من خلالها الفادي القدوس إلى العالم. هذا هو ما نقرأه في التوراة، في سفر التكوين، والأصحاح الثاني عشر، عندما دعا الله إبراهيم، قائلاً له:
‘‘اذهب من أرضك، ومن عشيرتك، ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض.’’ (تكوين 1:12-3)

ولكن، لماذا أمر الله إبراهيم أن يذهب إلى أرض أخرى؟
.. لأن الله أراد أن يجعل من إبراهيم أمةً جديدة.
ولماذا أراد الله أن يجعل من إبراهيم أمةً جديدة؟
.. لأن الله كان يخطط أن يأتي من خلال هذ الأمة بالأنبياء الذين سيكتبون الكتب المقدسة. ومن خلال هذه الأمة ذاتها، قصد الله أن يرسل الفادي إلى العالم. ولهذا، وعد الله إبراهيم قائلاً: ‘‘وتكون بركةً .. ويتبارك فيك جميع قبائل الأرض.’’

وهل تمَّم الله وعده لإبراهيم؟ .. نعم، لقد فعل!
فعندما كان إبراهيم عمره مئة عام، وكانت سارة زوجته في التسعين من عمرها، أعطاهما الله ابناً، وهو ‘‘إسحق’’، تماماً كما وعد. وصار لإسحق فيما بعد ابنٌ يُدعَى ‘‘يعقوب’’؛ ذاك الذي صار له اثنا عشر ابناً، وهم الذين كوَّنوا فيما بعد الأمة الجديدة، إسرائيل.
ومن منكم يعرف الكتاب المقدس، يعرف أن الفادي جاء من خلال أمة إسرائيل. فمريم (أم يسوع) ويوسف (أبوه بالتبني أو الوصي عليه) جاء كل منهما من نسل إبراهيم. وهكذا، نجد الآية الأولى من الإنجيل تقول: ‘‘كتاب ميلاد (أي سجل نسب) يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم.’’ (متى 1:1) فمن جهة الجسد، جاء يسوع المسيح من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولكن من جهة روحه القدوس، هو ابن العلي، ‘‘الكلمة’’ عينه، كلمة الله، الذي جاء من السماء ليُولَد على الأرض.
دعونا نرجع إلى قصة إبراهيم، لأن هناك شيئاً آخرَ هاماً ينبغي أن نتذكَّره عنه. فقد رأينا أن إبراهيم وُلِد في الخطية، مثل كل نسل آدم. ومع ذلك، يخبرنا الكتاب أن إبراهيم اليوم في السماء في محضر الله القدوس، حيث سيظل للأبد!
والسؤال الآن هو: ما الذي فعله إبراهيم ليغفر له الله خطاياه، ويحكم له أنه بار، ويرحِّب به في السماء؟ ماذا يقول الكتاب عن هذا؟ يقول الكتاب:
‘‘آمن إبراهيم بالله، فحُسِب له ذلك برَّاً.’’ (تكوين 6:15)
لقد صدَّق إبراهيم الله، الله نفسه. صدَّق إبراهيم ما قاله الله له. ولهذا، حَسِب له الله البر، وحَسبه بارَّاً.

وأنتم يا من تستمعون اليوم، .. هل تصدِّقون كلمة الله كما صدَّقها إبراهيم؟
نحن لا نسألكم إن كنتم تؤمنون أن الله موجود، أو أن الله واحد. فالشيطان نفسه يؤمن أن الله موجود! ما يريده الله هو أن تصدِّق ما يقوله فيما يخص طريق الخلاص الذي أعلنه، تماماً كما صدَّقه إبراهيم. فلقد أخبرنا إبراهيم بما يتعيَّن علينا أن نصدقه. هل يمكنك أن تتذكَّر ما أعلنه إبراهيم على ذلك الجبل، في اليوم الذي قدَّم فيه الخروف كمُحرَقةٍ بدلاً من ابنه؟ لقد قال:
‘‘الله نفسه يدبِّر الخروف للمحرقة.’’ (تكوين 8:22)
ولكن بعد أن ذبح الخروف، دعا إبراهيم ذلك الجبل ‘‘يهوه يِرأى’’، أي ‘‘الله سيدبِّر’’. (تكوين 14:22) ولكن، لماذا دعا إبراهيم هذا الجبل ‘‘الله سيدبِّر’’، بينما كان الله كان قد دبَّر بالفعل خروف المحرقة، وقدَّمه لإبراهيم؟ نعم، لقد كان إبراهيم، يعلن كنبي، ما هو عتيد أن يحدث. فعندما قال إبراهيم: ‘‘الله سيدبِّر’’، كان يتنبأ بما سيحدث على ذلك الجبل، حيث حلَّ الخروف محل ابنه على المذبح. كان إبراهيم يتطلَّع إلى اليوم الذي سيسفك فيه الفادي دمه على هذا الجبل عينه؛ كي يخلِّص كل من يؤمن به، من دينونة الله العادلة.

رأينا من خلال دراستنا في الإنجيل، أن يسوع المسيح جاء إلى العالم بعد زمن إبراهيم بألفي سنة؛ لكي يتمِّم نبوة إبراهيم. نعم، خارج أسوار أورشليم، وعلى الجبل الذي قدَّم عليه إبراهيم الخروف ذبيحةً بدلاً من ابنه، هناك سفك الفادي يسوع دمه؛ ليفدي نسل آدم. ولهذا، بعد ما سمَّروا يسوع على الصليب، وقبل أن يموت، سمعناه يصرخ بصوت عالٍ، قائلاً: ‘‘قد أُكمِل!’’
ولكن، لماذا قال يسوع ‘‘قد أُكمِل!’’؟ لقد قال هذا؛ لأن موته على الصليب أكمل خطة الخلاص التي أعلنها الله على لسان إنبيائه قبل ذلك بزمن طويل. إن موت يسوع قد أكمل وتمَّم رمز ذبيحة إبراهيم، والذبائح الحيوانية ككل!

وأنت يا من تستمع اليوم،
.. هل تؤمن أن يسوع المسيح نفسه هو ‘‘حمل’’ الذبيحة الكاملة والنهائية، الذي أرسله الله من السماء؟ هل لديك إيمان إبراهيم؟ استمع إلى ما يقوله الإنجيل بشأن إيمان إبراهيم. يقول الكتاب:
‘‘والآن، ماذا نقول في إبراهيم أبينا بحسب الجسد؟ ماذا وجد؟ فلو كان إبراهيم قد تبرَّر على أساس الأعمال، لكان من حقِّه أن يفتخر، ولكن ليس أمام الله. لأنه ماذا يقول الكتاب؟ يقول: ‘فآمن إبراهيم، فحُسِب له ذلك برَّاً.’ .. فلهذا، حُسِب له ذلك برَّاً. ولكن ما قد كُتِب من أن البر حُسِب له، لم يكن من أجله وحده، بل أيضاً من أجلنا ـ نحن الذين سيُحسَب ذلك البر لنا ـ إذ نؤمن بمن أقام من بين الأموات يسوع ربنا، الذي أُسلِم للموت من أجل معاصينا ثم أُقيم من أجل تبريرنا.’’ .. آمين! (رومية 1:4-3، 22-25)

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم ..! ونأمل أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة، إن شاء الله، لنستمر معاً في مراجعتنا لرسالة الأنبياء، ونرى نبياً عظيماً آخر، اختاره الله ليُعِدَّ الطريق لمجيئ مخلِّص العالم. هذا النبي هو ‘‘موسى’’ ..
وليبارككم الله، ويعطيكم فهماً واضحاً لما يعلنه الكتاب المقدس، عندما يقول:
‘‘فآمن إبراهيم بالله، .. فحُسِب له ذلك برَّاً!’’ (رومية 3:4)
ــــــــ
 

 الدرس الخامس والتسعون  | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية