82
القبض على يسوع

يوحنا 14 ؛ متى 26

أصدقائي المستمعين ..
نحيِّيكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقةً أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

في الحلقة السابقة، تعلَّمنا عن العشاء الأخير الذي تناوله يسوع مع تلاميذه قبل أن يموت. وسمعنا الرب يسوع، وهو يخبر تلاميذه الاثني عشر، أن واحداً منهم سيخونه، ويسلِّمه إلى أعدائه. ورأينا أيضاً يسوع، وهو يعطي الخبز والكأس لتلاميذه، ويخبرهم أن الخبز الذي كسره، يرمز إلى جسده الذي كان على وشك أن يبذله كذبيحة، وأن الكأس الذي يحتوي على عصير العنب، يرمز إلى دمه الذي كان مزمعاً أن يسفكه. وهكذا، وضَّح يسوع مرة أخرى لتلاميذه أن سبب مجيئه إلى العالم هو لكي يسفك دمه كذبيحة تزيل الخطية، وتهب الحياة الأبدية.

واليوم، نود أن نستمر في قراءة الإنجيل، ونسمع أكثر عن الكلمات العميقة والعجيبة التي تكلَّم بها الرب يسوع، في الليلة التي جاء فيها حراس الهيكل ليقبضوا عليه. ونقرأ الآن في إنجيل يوحنا، والأصحاح الرابع عشر. وإذ كان يسوع يعرف أن الوقت قد حان ليضع حياته، تكلَّم إلى تلاميذه قائلاً:
‘‘لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة. وإلا فإني كنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعد لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً، آتي أيضاً وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضاً. وتعلمون حيث أنا أذهب، وتعلمون الطريق.
‘‘فقال له توما: يا سيد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟ فقال له يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم قد عرفتموني، لعرفتم أبي أيضاً. ومن الآن تعرفونه، وقد رأيتموه. فقال له فيلبس: يا سيد، أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع: أنا معكم زماناً هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني، فقد رأى الآب؛ فكيف تقول أنت أرنا الآب؟ ألست تؤمن إني أنا في الآب، والآب فيَّ؟ الكلام الذي أكلِّمكم به لست أتكلَّم به من نفسي، لكن الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال. صدِّقوني إني في الآب، والآب فيَّ. وإلا فصدِّقوني بسبب الأعمال نفسها.’’
‘‘إن كنتم تحبونني، فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الآب، فيعطيكم معزيَّاً آخر ليمكث معكم إلىالأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله؛ لأنه لا يراه، ولا يعرفه. وأما أنتم فتعرفونه؛ لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم. لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم. بعد قليل لا يراني العالم أيضاً، وأما أنتم فترونني. إني أنا حيٌّ، فأنتم ستحيون. في ذلك اليوم، تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم فيَّ، وأنا فيكم. الذي عنده وصاياي ويحفظها، فهو الذي يحبني. والذي يحبني، يحبه أبي، وأنا أحبه وأُظهر له ذاتي. .. إن أحبني أحدٌ، يحفظ كلامي ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً. الذي لا يحبني، لا يحفظ كلامي. والكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني. بهذا كلَّمتكم وأنا عندكم. وأما المعزِّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلِّمكم كل شيء، ويذكِّركم بكل ما قلته لكم. سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم، أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم، ولا ترهب.’’ (يوحنا1:14-27)

وهكذا، طمأن الرب يسوع قلوب تلاميذه، وأعدَّهم لما كان عتيداً أن يحدث!
.. هل سمعتم ما أعلنه يسوع لهم عن ‘‘المُعزِّي’’؟
إنه لأمر حيوي أن تفهموا هذا. لأن بعض الناس اليوم، يحاولون أن يحوِّروا كلمات يسوع، وأن يجعلوا الناس تصدِّق أنه كان يعلن عن مجيء نبيٍّ آخر. لكن ما قاله يسوع عن ‘‘المعزِّي’’ لا يمكن أن يشير إلى نبيٍّ، ولا إلى إنسان؛ لأن يسوع قال أن المعزِّي هذا سيكون روحاً لا يُرى، وسيسكن بداخل تلاميذ يسوع الحقيقيين.

ولكن، .. من هو ‘‘المعزِّي’’؟
يخبرنا الرب يسوع بوضوح عن ماهية المعزِّي، فيقول:
‘‘أنا أطلب من الآب، فيعطيكم معزيَّاً آخر ليمكث معكم إلىالأبد. روح الحق .. هو يكون فيكم. لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم. .. وأما المعزِّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلِّمكم كل شيء، ويذكِّركم بكل ما قلته لكم.’’ (يوحنا 16:14-18، 26)

مرة ثانية، نسأل هذا السؤال:
.. من هو المعزِّي الذي وعد به يسوع تلاميذه؟
إنه الروح القدس، الذي يأتي من الله، وكان في يسوع. إنه روح الله وروح يسوع. إنه الروح القدس الذي سيضعه الله في قلوب كل من يؤمنون بيسوع كمخلِّصهم وربِّهم. لقد وعد يسوع تلاميذه أنه بعد موته وقيامته وعودته إلى السماء، سيرسل روحه القدوس في قلوبهم؛ كي ما يجدِّد قلوبهم، ويطهِّرهم، ويقوِّيهم، .. ‘‘ويرشدهم إلى جميع الحق.’’
(يوحنا 13:16؛ أنظر أيضاً تيطس 4:3-7)

وبعد بضع حلقات من الآن، بإذن الله، سوف نرى أن هذا هو تماماً ما حدث في أورشليم بعد عشرة أيام من صعود يسوع إلى السماء، حيث حلَّ الروح القدس على التلاميذ، وبدأ يسكن في قلوبهم، .. تماماً كما وعد يسوع!

وفي حلقة قادمة، سنتعلَّم أكثر عن هذا المعزِّي، الروح القدس، الذي يستطيع أن يغيِّر قلب خاطئٍ متمركزٍ حول ذاته، ويحوِّله إلى شخص يحب الله، ويرغب في أن يرضيه.
.. ولكن الآن دعونا نعود مرة أخرى إلى الإنجيل، لنرى ما حدث في تلك الليلة غير العادية، بعد ما أكل يسوع العشاء الأخير مع تلاميذه.


يقول الكتاب:
‘‘ثم سبَّحوا، وخرجوا إلى جبل الزيتون. حينئذ قال لهم يسوع: كلُّكم تشكُّون فيَّ في هذه الليلة؛ لأنه مكتوب "إني أضرب الراعي، فتتبدَّد خراف الرعيَّة". ولكن، بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل. فأجاب بطرس وقال له: وإن شكَّ فيك الجميع، فأنا لا أشك أبداً. قال له يسوع: الحق أقول لك، إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديكٌ، تنكرني ثلاث مرات. قال له بطرس: ولو اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك. هكذا قال أيضاً جميع التلاميذ.
‘‘حينئذ، جاء معهم يسوع إلى ضيعة يُقال لها "جسثيماني". فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا، حتى أمضي وأصلِّي هناك. ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهم: نفسي حزينة جداً حتى الموت. امكثوا ههنا، واسهروا معي. ثم تقدَّم قليلاً، وخرَّ على وجهه، وكان يصلي قائلاً: يا أبتاه، إن أمكن، فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت.’’ (متى 30:26-39)

أصدقائي المستمعين ..
دعونا نتوقف هنا للحظة؛ لنسال أنفسنا سؤالاً:
.. ما هو كأس الألم الذي كان يسوع يخاف أن يشربه؟
.. ولماذا كان يسوع يطغي عليه الحزن لدرجة الموت؟
لقد كان يسوع في ضيق لا يمكن تصوُّره؛ لأنه علم أن الساعة قد حانت ليحمل عقاب خطية نسل آدم! الساعة التي تنبأ بها كل أنبياء الله، .. قد أتت! فقد كان الفادي سيُعَذَّب ويُسمَّر على صليب. ولكن أفظع ما كان في الأمر، هو أن يسوع كان يعلم أن الله أباه، الذي أحب يسوع، وأحبه يسوع أيضاً، كان سيُحِمِّله عقاب خطايا كل العالم! ولهذا، صلَّى يسوع قائلاً:
‘‘يا أبتاه، إن أمكن، فلتعبر عني هذه الكأس (أي كأس الألم الذي يفوق الإدراك). ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت.’’

ثم يقول الكتاب بعد هذا:
‘‘ثم جاء إلى التلاميذ، فوجدهم نياماً. فقال لبطرس: أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟ اسهروا وصلوا، لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف. فمضى أيضاً ثانية، وصلَّى قائلاً: يا أبتاه، إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها، فلتكن مشيئتك. ثم جاء، فوجدهم أيضاً نياماً. إذ كانت أعينهم ثقيلة. فتركهم ومضى أيضاً، وصلَّى ثالثة قائلاً ذاك الكلام بعينه. ثم جاء إلى تلاميذه، وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا. هوذا الساعة قد اقتربت، وابن الإنسان يسلَّم إلى أيدي الخطاة. قوموا ننطلق. هوذا الذي يسلِّمني قد اقترب.
‘‘وفيما هو يتكلَّم، إذا يهوذا أحد الاثني عشر، قد جاء ومعه جمعٌ كثيرٌ بسيوفٍ وعصيٍّ من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب. والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً: الذي أقبِّله، هو هو. أمسكوه. فللوقت تقدَّم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدي، وقبَّله. فقال له يسوع: يا صاحب، لماذا جئت؟ حينئذ، تقدَّموا وألقوا الأيادي على يسوع، وأمسكوه.
‘‘وإذا واحدٌ من الذين مع يسوع، مدَّ يده واستل سيفه، وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه. ولكن يسوع لمس أذن العبد وشفاه، ثم قال لذاك الذي أراد أن يحميه: ردَّ سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون. أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي، فيقدِّم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟ فكيف تُكمَّل الكتب، أنه هكذا ينبغي أن يكون؟’’
(متى 40:26-54؛ لوقا 50:22)

‘‘في تلك الساعة، قال يسوع للجموع: كأنه على لصٍ خرجتم بسيوفٍ وعصيّ لتاخذوني. كل يومٍ كنت أجلس معكم أعلِّم في الهيكل، ولم تمسكوني. وأما هذا كله، فقد كان لكي تُكمَل كتب الأنبياء. حينئذ، تركه التلاميذ كلهم، وهربوا. والذين أمسكوا يسوع، مضوا به إلى قيافا رئيس الكهنة، حيث اجتمع الكتبة والشيوخ.’’ (متى 55:26-57)

وهكذا رأينا اليوم، كيف سلَّم يسوع نفسه في أيدي أولئك الذين أرادوا قتله.
وربما يسأل سائلٌ: ‘‘لماذا سمح يسوع لنفسه أن يقع في أيدي أعدائه؟ فهذا الذي هدَّأ العاصفة، وأخرج الشياطين، وشفى العميان، وأقام الموتى، أما كان يستطيع أن يخلِّص نفسه من أعدائه؟’’
يسوع نفسه أخبرنا بالسبب ..! فعندما حاول واحد من تلاميذه أن يدافع عنه ويحميه، قال له يسوع: ‘‘ردَّ سيفك إلى مكانه. .. أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي، فيقدَّم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟ فكيف تُكمَّل الكتب، أنه هكذا ينبغي أن يكون؟’’
(متى 52:26-54)
فلماذا سمح يسوع أن يلقي أعداؤه القبض عليه؟
.. لقد سمح يسوع بهذا؛ لكي يتمِّم ما كتبه الانبياء الذين تنبَّأوا مراراً وتكراراً أن المسيَّا لا بد وأن يتألم ويسفك دمه كذبيحة لغفران الخطية. كان على الفادي القدوس أن يموت من أجل الفجَّار؛ لكي يأتي بنا إلى الله. جاء يسوع المسيَّا إلى العالم؛ ليتمِّم كلام الأنبياء. لذلك، سمح يسوع أن يقبض أعداؤه عليه. لقد وضع يسوع حياته من أجلك ومن أجلي.
.. المجد لله الذي أرسل لنا مثل هذا المخلِّص!

أعزائي المستمعين ..
انتهى وقت حلقتنا اليوم. ونأمل أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة؛ لنرى كيف اشترك الكهنة وشعب أورشليم وقادته في إدانة يسوع والحكم عليه، متمِّمين بذلك كلمات الأنبياء ..

وليبارككم الله، وأنتم تتذكَّرون ما قاله يسوع لتلاميذه، عندما قال:
‘‘إني أضع نفسي لآخذها. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي.’’
(يوحنا 17:10-18)
ـــــــــــــ
 

 الدرس الثالث والثمانون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية